أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ {الواقعة/68}
الماء في القرآن الكريم
وردت كلمة ماء في القرآن الكريم ثلاثا وستين مرة, وهي لفظة تدل علي المفرد والجمع معا, هذا عدا خمس مرات وردت فيها لفظة ماء بمعني النطفة. أو ماء التناسل.وتشير الآيات(68 ـ70) من سورة الواقعة إلي حقيقتين مائيتين مهمتين:
أولاهما إنزال ماء المطر من المزن[ جمع مزنة وهي السحابة البيضاء أي المشبعة بقطيرات الماء أو المضيئة أي المليئة بالبرق أو الممطرة].
وثانيتهما: إنزال ماء المطر عذبا زلالا, ولو شاء الله تعالي لجعله ملحا أجاجا أي مالحا مرا, والعباد لا يشكرون الله علي نعمائه...!!
والماء هو سر من أسرار الحياة, وأصل من أصولها التي لايمكن لها أن توجد بدونه, وهكذا قدر الخالق العظيم, فجعل الأرض أغني الكواكب المعروفة لنا ثراء بالماء,
فأنشأه من عناصره وأخرجه من داخلها, ليتكثف ويعود إليها مطرا, وبردا, وثلجا, يفتت صخورها, ويشق الفجاج والسبل فيها, ويكون تربتها, وصخورها الرسوبية, ويركز أعدادا من الثروات المعدنية فيها, ويجري علي سطحها سيولا جارفة, وأنهارا متدفقة, وجداول جارية لينتهي به المطاف إلي منخفضات الأرض مكونا البحيرات والبحار والمحيطات, كما يتسرب إلي ما دون قشرة الأرض ليكون عددا من الخزانات المائية تحت سطح الأرض, أو يرطب كلا من تربتها والأجزاء الدنيا من غلافها الغازي, أو يتجمع علي هيئة سمك متفاوت من الجليد علي قطبي الأرض وفوق قمم الجبال الشاهقة.
وقد اقتضت مشيئة الخالق( سبحانه وتعالي) أن يسكن في الأرض كمية محدودة من الماء في محيطاتها, وبحارها, وبحيراتها, وأن يجري هذا الماء في أنهارها وجداولها, وأن يختزن بعضه في الطبقات المسامية والمنفذة من قشرتها, وفي بعض الصخور المتشققة من صخور تلك القشرة الأرضية, ليخرجه علي هيئة العيون والينابيع, وأن يحتبس جزءا آخر علي هيئة الجليد فوق القطبين وفي قمم الجبال وهذا كله بالقدر المناسب بغير زيادة ولا نقصان, والكافي لمتطلبات الحياة علي الأرض بالضبط, وهذا التوازن الحراري المناسب في غلافها الغازي القريب من سطحها, وعدم وجود فروق كبيرة بين درجات حرارة كل من الشتاء والصيف بما يلائم مختلف صور الحياة الأرضية,
وهذا القدر الموزون من الماء لا يزيد عن حجم معين(1337 مليون كيلومتر مكعب) فيغطي كل سطح الأرض, ولا ينقص عن ذلك فيقصر دون متطلبات الحياة علي سطحها.
كذلك اقتضت إرادة الخالق( تبارك اسمه) أن يحرك هذا الماء كله في دورة معجزة كي لا يفسد, فتبخر حرارة الشمس منه في كل عام380,000 كيلومتر مكعب منها320,000 كم3 من أسطح البحار والمحيطات,60,000 كم3 من الكتل المائية علي اليابسة ومن تنفس وعرق وإخراج كل من الإنسان والحيوان, ونتح النباتات.
وهذا البخار يتصاعد في نطاق التغيرات الجوية المحيط بالأرض والذي جعل له الخالق( سبحانه وتعالي) خاصية التبرد بالارتفاع حتي تصل درجة حرارته إلي ستين درجة مئوية تحت الصفر فوق خط الاستواء, فيتكثف بخار الماء فيه, ويعود للأرض مطرا, وهكذا دواليك...!!
وينزل علي الأرض في كل سنة380,000 كم3 من ماء المطر,284,000 كم3 علي البحار والمحيطات, و96,000كم3 علي اليابسة والفارق بين كمية المطر وكمية البخر علي اليابسة يفيض إلي البحار والمحيطات للمحافظة علي منسوب الماء فيها في كل فترة زمنية محددة, ونزول المطر من السحب لايزال أمرا غيبيا, يصعب تفسيره من الناحية العلمية, وذلك بسبب الاعتقاد السائد بأنه يتم بواسطة عدد من التفاعلات الطبيعية غير المعروفة بالتحديد, من بينها حركات الرياح الأرضية, وإمكانية إثارتها لقدر من الغبار الدقيق من سطح الأرض, والذي يبقي( لدقته المتناهية) عالقا في نطاق التغيرات المناخية المحيط بالأرض لفترات طويلة, ومن بينها الشحنات الكهربية في السحابة الواحدة أو في السحب المتصادمة, ومنها اختلاف درجات الحرارة ونسب الرطوبة في تلك السحب المتصادمة, ومن بينها أثر الرياح الشمسية علي أجواء الأرض, وغير ذلك من التفاعلات. وتحتوي السحب علي حوالي2% فقط من الماء الموجود في الغلاف الجوي للأرض( والذي يقدر بحوالي15,000 كم3) ويوجد علي هيئة قطيرات متناهية الضآلة في أحجامها( في حدود المايكرون الواحد في أقطارها), وتلتصق هذه القطيرات الدقيقة بالهواء للزوجتها, وذلك في السحب غير الممطرة أي السحب العادية التي تحملها الرياح ولا تسقط مطرا علي الأرض إلا إذا تم تلقيحها بامتزاجها بسحابة تختلف عنها في درجة حرارتها( إحداهما ساخنة والأخري باردة), أو بواسطة عدد من الجسيمات الدقيقة بهباءات الغبار التي تثيرها الرياح من فوق سطح الأرض وتلقح بها السحب فتعين بإذن الله علي إنزال الماء منها...!!
وعلي ذلك فإن إنزال المطر يبقي ـ في الحقيقة ـ سرا من أسرار الكون لايعلمه,
ولا يرتبه إلا الله,
وإن جاهد العلماء في محاولة فهم كيفية إنزال المطر من السحب المحملة بقطيرات الماء... ولفهم ذلك لابد أولا من فهم كيفية إنشاء السحب بصفة عامة, والسحب الممطرة بصفة خاصة, وهي عملية خارجة تماما عن طاقة القدرة الإنسانية مهما تطورت معارف الإنسان وارتقت تقنياته.
من مقال بقلم الدكتور: زغـلول النجـار
تحياتي: برفيسور